الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة من برج الرومي الى ركح مهرجان بنزرت: سجناء ولكنهم فنانون

نشر في  18 أوت 2017  (14:14)

من منكم لم يستمع ولو صدفة الى اغاني السجون، والى ما جادت به قريحة المساجين من خلف القضبان، حيث تختلط المشاعر والقصص هناك.. معاناة وشوق وألم وغيرها من الاحاسيس التي قد تتفجر لتصبح موسيقى، وبالسجون خلقت موسيقى "الزندالي"، وهي احد فروع "المزود"، اسم تم اشتقاقه من اسم سجن "زنداله"، وكثيرون من غنوا من كلمات خطّها سجين ودونها على قطعة قماش او اوراق مهملة أو علبة سجائر داخل غرفته المظلمة، ولعل أبرزهم الشيخ العفريت، احد رواد الزنداليات، والذي لحّن وغنى من أشعار أصحاب "الربطيات"، على غرار "يا فاطمة بعد النكد و الغصرة" و"أنا ماذابيا نعيش بكيفي في حرية".

أو صالح الخميسي أحد أعلام تجربة تحت السور، والذي روى في أغنية "يا بودفة شبحتنا" الحكاية التي أدت به إلى السجن ، كما غنى صالح الفرزيط، أغنية "نيران جاشي شاعلة ميقودة"، من كلمات احد السجناء، قبل أن تجود قريحته بالأغنية الأشهر في سجّل اغاني السجون، ونقصد أغنية "ارضي علينا يالميمة رانا مضامين، نستناو في العفو يجينا من ستة وسبعين" والتي كتبها اثناء احدى "ربطياته"، كما لا ننسى ما كتبه سجناء حركة آفاق من اغاني واشعار ومؤلفات ونذكر كتاب "كريستال" لجلبير نقاش.

مقدمة استحضرنا فيها أهم وابرز ما جادت به السجون التونسية، من موسيقى وكلمات ظلت محفورة في ذاكرة الفن الشعبي، ولعل ما دفعنا الى التذكير بتاريخ هذه الأغاني، هو الاحساس الذي انتابنا ونحن نستمع الى عدد من السجناء شاءت الحرية التي منحتها لنا الثورة ـ رغم كل المؤخذات ـ أن نراهم على ركح مهرجان دولي يغنون ويحيون سهرة فنية كانوا نجومها، سجناء برابطات عنق وهندام لائق يرددون مجموعة من الاغاني في تناسق تام وحرفية عالية .
ورغم ما كان يحيط بالحصن الأندلسي ببنزرت من حراسة أمنية مشددة، فان مجموعة من سجناء من برج الرومي اثبتوا مساء الخميس 17 أوت، أن السجين هو انسان هو فنان..
بادرة طيبة جدا أشرفت عليها الادارة العامة للسجون والاصلاح بمشاركة المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب والهيئة المديرة لمهرجان بنزرت الدولي، حيث تم احياء سهرة موسيقية اشرفت عليها فرقة نادي الموسيقى بسجن برج الرومي، سهرة انطلق الاعداد اليها منذ شهرين حيث تم تدريب مجموعة من السجناء والاستعانة بعازفين متطوعين من غير المساجين آلت لهم قيادة الفرقة وتأمين جانب العزف.
ورغم أن الحفل اقتصر على اصحاب الدعوات ، فان فرقة السجناء لم تدخر مجهودا وحاولت امتاع جمهورهم، بأغاني لم تقتصر على موسيقى الزندالي بل الوطنية والشعبية منها اضافة الى حضور المالوف..

على تمام الساعة العاشرة مساء اعتلت فرقة موسيقية في كامل الأناقة والانسجام الركح حتى يخيل اليك للحظات أنك أمام فرقة موسيقية محترفة قبل أن تستعيد ذاكرتك وتدرك أن من يقف أمامك هم مجموعة من السجناء فيهم من هو محكوم بأكثر من 20 سنة، سجناء تحرروا من قيودهم لمدة ساعتين لا غير.

سهرة اختلطت فيها المشاعر بين الفرح الناجم عن فسحة الأمل التي منحت لهؤلاء المساجين والحزن لرؤية مواهب مدفونة خلف القضبان، وفي هذه السهرة استمتع الجمهور الحاضر بأغاني مختلفة البداية كانت بأغنية "بدأنا باسم الله" لفوزي بن قمرة، قبل أن يتغنى السجناء بتونس في اغنيتين احداهما لصبري مصباح والاخرى لوالده صلاح مصباح ونقصد " يا أم السواعد سمر" ويا تونس الخضراء"، قبل أن يدغدغوا مشاعرنا بأغنية "ارضي علينا يا لميمة" تلتها مجموعة من الاغاني التونسية على غرار "سمراء يا سمراء" و"يا لايمة على الزين " و"حبي يتبدل يتجدد" و"زعمة النار تطفاشي" و"توحشتك يمّا" و"يا حمامة طارت" وغيرها من الأغاني التي لخصت مشاعر الاشتياق والحنين وفراق الأم، قبل أن ترتفع اصوات السجناء بالنشيد الوطني معلنة نهاية السهرة ونهاية ساعات الحرية .
وفي حديث جمعنا نهاية السهرة مع المستشار الأول نضال الدين المعزي رئيس مصلحة الرعاية والاصلاح بسجن برج الرومي، اكد أن ادارة السجن سعت في وقت سابق الى احياء حفلة من امضاء فرقة النادي الموسيقي لبرج الرومي، لكن ولظروف متعددة، لم تنفذ الفكرة، الى أن تم على احياء هذه السهرة بالتعاون مع الهيئة المديرة لمهرجان بنزرت الدولي، مؤكدا أن الهدف من هذه السهرة هو تشجيع حاملي المواهب من السجناء، مضيفا أن الفرقة تضم مساجين من جهات مختلفة من التراب التونسي ومن بينهم من يغادر سجنه سنة 2027، كما افادنا محدثنا أن ادارة سجن برج الرومي توفر لاعضاء الفرقة كل الظروف اللازمة للتدرب والبروفات.
ختاما، لا يمكننا سوى أن نتوجه بعبارات الاثناء لادارة السجون والاصلاح على هذه البادرة الطيبة، التي تحسب لصالحها، وأن نقول للمحسن أحسنت.

تغطية: سناء الماجري

صور : زياد الجزيري